هناك ثلاثه مذاهب فى تحديد طبيعه علاقه الانتماء النوبيه*، وعلاقتها بعلاقات الانتماء الاخرى للشخصيه السودانيه التى تشكل معا محددات الهويه السودانيه.
أولا: مذهب الالغاء :
وهو المذهب الذى ينتهى الى الغاء علاقه الانتماء الحضاريه التاريخيه النوبيه للشخصيه السودانيه، وهو يستند فى ذلك الى فكره مضمونها-على المستوى الاجتماعى- أن ارتقاء اى مجتمع إلى طور تكوين اجتماعي أعلى يترتب عليه إلغاء طور التكوين الاجتماعي السابق عليه، وبالتالي فان استناده إلى طور تكوين اجتماعى معين اعلى من طور التكوين الاجتماعى الشعوبى النوبى يترتب عليه الغاء الاخير. كما ان مضمونها - على المستوى الفردى- أن العلاقة بين علاقات الانتماء المتعددة للشخصيه السودانيه هي علاقة تناقض، وبالتالي فان استناده إلى علاقة انتماء معينة خلاف علاقه الانتماء النوبى ، يقتضى إلغاء علاقات الانتماء الأخرى بما فيها علاقه الانتماء الاخبره(الوحده المطلقه). ويتضمن هذا المذهب العديد من المذاهب التى سنتناولها هتا بالتفصيل.
مذهب مناهضه الانتماء النوبي بالانتماءالعربى:
فهناك مذهب مناهضه الانتماء النوبى بالانتماء العربى الذى يستند الى فكره مضمونها على المستوى الاجتماعى ان ارتقاء المجتمع السودانى إلى طور التكوين الاجتماعي القومى(ليصبح جزء من امه) نرتب عليه إلغاء طور التكوين الاجتماعي الشعوبى النوبى السابق عليه. كما ان مضمونها على المستوى الفردى أن العلاقة بين علاقات الانتماء المتعددة للشخصيه السودانيه هي علاقة تناقض ، وبالتالي فان تقرير علاقة الانتماء العربيه للشخصيه السودانيه يقتضى إلغاء علاقات الانتماء الأخرى بما فيها علاقه الانتماء الحضاريه التاريخيه الشعوبيه النوبيه، ومن ممثلى هذا المذهب مذهب العصبية القبلية العربية الذى يجعل العلاقه بين الانتماء النوبى والانتماء العربى علاقه تناقض والغاء استنادا الى ان النوبيين ليسوا سلاله عرقية لعرب الجاهلية، ووجه الخطأ في هذا المذهب يكمن في انه يفهم العروبة على أساس عرقي لا لغوي حضاري ، ومرجع ذلك انه يخلط بين العرب في الطور القبلي( ما يقابل الأعراب في القرآن)، وهي دلالة لا تزال تستخدم حتى الآن للدلالة على من لا يزال في طور البداوة، ولم ينتقل إلي التمدن ، والعروبة كطور تكوين اجتماعي قومى متقدم عن أطوار التكوين الاجتماعي القبلي والشعوبي يتضمنهم فيكملهم ويغنيهم ولكن لا يلغيهم. حيث ان مناط الانتماء فى الطور الاول النسب، بينما مناط الانتماء فى الطور الثانى اللسان.كما انه بخلط بين معيار الانتماء الاسرى والعشائرى و القبلي (العنصر) ومعيارالانتماء القومى(اللسان)، فهو يتجاهل التطور خلال الزمان. كما أن هذا المذهب يقوم يستند إلى مفهوم النقاء العرقي وهو مفهوم غير حقيقي إذ لا يوجد جنس لم يختلط بغيره ، فهو ينكر حقيقة اختلاط اغلب الجماعات القبلية السودانية ذات الأصول العربية(السامية) بالجماعات القبلية والشعوبية السودانية ذات الأصول السامية –الحامية( كالنوبة والبجه) او الاصول الحاميه، يساعده فى ذلك نظام النسب الى الاب ذى الاصل الاسلامى ، يقول الشيخ على عبد الرحمن الأمين(...أثناء ذلك تم امتزاج الدم العربي بدماء البجه والنوبة والفور والحاميين النيلين والزنوج الإفريقيين وبعض العناصر الشركسية والتركية في أقصى الشمال وذلك بالمصاهرة والاختلاط حتى لا يستطيع الإنسان الآن أن يجزم بان هناك عربي يخلو دمه من قطرات من تلك الدماء غير العربية)(الشيخ على عبد الرحمن،الديمقراطية والاشتراكية في السودان،منشورات المكتبة العصرية، صيدا بيروت،1970 ص22) ويقول د.محجوب الباشا (تشير اغلب الدراسات إلى أن القبائل المسماة بالعربية في شمال السودان(كذا) هم في الحقيقة مجموعه من العرب الذين اختلطوا بالقبائل النوبية المحلية فتولد عن ذلك العنصر الموجود الآن في اغلب شمال السودان(د.محجوب الباشا ،التنوع العرقي في السودان، سلسله أوراق استراتيجيه الخرطوم، طبعه أولى،1998،ص17) .
كما ان هذا المذهب يجعل العلاقه بين الانتماء النوبى والانتماء العربى علاقه تناقض والغاء احتجاجا باللهجات النوبيه المتبقية من الأطوار القبلية والشعوبية؛ فى حين أن استعمال اللهجات ، أو حتى اللغات القديمة - لا يلغي الاشتراك في استعمال اللغة القومية في كل الأمم.
ه/مذهب مناهضه الانتماءالنوبي بالانتماء الاسلامى:
يجب التمييز(لا الفصل) بين الإسلام كدين ، اى كوضع الهي مطلق يخاطب الناس في كل زمان ومكان،ممثلا في أصوله الثابتة التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة التي لا تحتمل التأويل والتي لا يجوز مخالفتها ، وبين المذاهب الاسلاميه بما هي اجتهادات تنسب إلى أصحابها ولو أسموها مذاهب اسلاميه، وصحتها أنها مذاهب في الفكر الاسلامى، ويتحملون مسئوليه ما فيها من قصور ولهم فضل ما فيها من توفيق،وهى مذاهب لا شامله في المكان ولا عامه في الزمان ، ممثله في اجتهادات المسلمين في تفسير فروع الدين الظنية الورود والدلالة التي تحتمل التأويل ، بناءا على هذا نفهم المذهب الذي يرى أن تقرير علاقة الانتماء الإسلاميه للشخصية السودانية(التي هي في الأصل علاقة انتماء ديني حضاري) يقتضى إلغاء علاقات الانتماء التاريخية بتقريره أن الإسلام يلغى الوجود الحضاري القبلي والشعوبي السابق عليه، ومنه الوجود الحضارى الشعوبى النوبى.
و/مذهبى اذابه الانتماء النوبي فى الانتماء الافريقى او الزنجى
وهناك مذهبى تذويب الاتنماء النوبى فى الانتمائين الافريقى او الزنجى، والغاء خصوصيته كانتماء حضارى تاريخى . ومرجع الخطاْ فى هذين المذهبين انهما اولا يخلطان بين الانتماء النوبى الذى هو فى الاصل علاقه انتماء حضاري تاريخي، و الانتماء الزنجي الذى هو في الأصل علاقة انتماء عرقي ، و الاتنماء الافريقي الذى هو في الأصل علاقة انتماء جغرافي قارى. كما انهما ثانيا يعطيان علاقات الانتماء الافريقيه و الزنجيه مدلول حضاري اجتماعي ، فيعتبران ان افريقيا كقاره او الزنوج كجنس يشكلان وحده اجتماعيه حضاريه، وهو ما يخالف الواقع.
ثانيا: مذهب الاطلاق:
وهو المذهب الذى يتطرف فى تاكيد علاقه الانتماء النوبيه الى درجه الغاء علاقات الانتماء الاخرى للشخصيه السودانيه ، وهو يستند الى فكره مضمونها - على المستوى الاجتماعى- أن كل وحدة تكوين اجتماعي هي بمثابة كل قائم بذاته ومستقل عن غيرها من وحدات التكوين الاجتماعي الأخرى، كما ان مضمونها - على المستوى الفردى- ان تعدد علاقات الانتماء المتعددة للشخصية المعينه دليل على تعدد الشخصيات الحضارية ونفى وجود شخصيه حضارية واحده (التعدد المطلق). او ان تقرير علاقه الانتماء النوييه يترتب عليه الغاء علاقات الانتماء الاخرى للشخصيه السودانيه(الوحده المطلقه). فهذا المذهب برى ان تقرير علاقه الانتماء النوبيه يقتضى مثلا إلغاء علاقة الانتماء الوطنيه السودانيه التي تحدها فتكملها وتغنيها ولكن لا تلغيها. فهذا المذهب يلزم منه أن الأثر الحضاري الشعوبي النوبي يقتصر على القبائل المسماة بالنوبية( الحلفاويون، السكوت، المحس، الدناقلة...) لينفى بذلك انه ساهم في تشكيل الشخصية السودانبه ككل . كما يرى أن العنصر النوبي يقتصر على القبائل ذات الاصول النوبية،في حين انه في واقع الأمر يمتد فيشمل بالمصاهره اغلب القبائل ذات الأصول العربيه في الشمال والوسط ، فكلاهما محصله اختلاط القبائل ذات الأصول العربية( السامية) مع القبائل ذات الأصول النوبية( السامية- الحامية) مع احتفاظ قبائل المركزالنوبى باللغة النوبية الشعوبية القديمة بلهجاتها المختلفة كوسيلة تخاطب داخليه واللغة العربية كوسيلة تخاطب مشتركه، بينما أصبحت اللغة العربية بالنسبة لقبائل الأطراف النوبية وسيله تخاطب داخليه ومشتركه.يقول الطيب محمد الطيب عن احد القبائل ذات الأصول النوبية -على سبيل المثال-(والمحس من الأسر النوبية السودانية العريقة وهم اصل من أصول النوبة الاقدمين ثم توافد عليهم العرب بعد الفتح الاسلامى وتم بينهم الاختلاط والتصاهر وهم صادقون إن قالوا نحن نوبة فهم يعيشون في ارض النوبة ويتحدثون لغتهم ويتقلدون كثير من أعرافهم الخ ،وان قالوا نحن عرب فهم صادقون فقد عمهم الإسلام منذ عهد بعيد وتخلقوا بأخلاقه ودخلتهم الدماء العربية) (المسيد،دار عزه، الخرطوم،2005، ص158). كما ان العنصر النوبى يمتد فيشمل بالهجره بعض القبائل ذات الاصول غير العربيه فى دارفور وكردفان (الميدوب وبعض قبائل جبال النوبه)
كما أن هذا المذهب يرى ان تقرير علاقه الانتماء النوبيه بقتضى الغاءعلاقات الانتماء القوميه والدينيه،لان هذا المذهب ينكر تحويل الإسلام للوجود الحضاري الشعوبي النوبي إلى جزء من الوجود الحضاري العربي الاسلامى يحده فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه. وبدل على هذا:
• دخول النوبين فى الاسلام.
• اتخاذهم للغه العربيه كلغه مشتركه مع احتفاطهم باللغه النوبيه الشعوبيه القديمه بلهجاتها القبليه المتعدده كلغه خاصه.
• دور النوبة في نشر الإسلام والثقافة الاسلاميه حيث نلاحظ أن انتشار الإسلام في السودان قد اقترن بمرحلتين:المرحلة الأولي تتمثل في دور العرب الوافدين الذي سبق السلطنات الإسلامية، وكان الإسلام فيها اسميا، إذ أن جل القبائل التي دخلت السودان (في تلك الفترة) كانت تسود فيها عادات وطباع البداوة(حسن مكي، الثقافة السناريه المغزى والمضمون، مركز البحوث والترجمة، جامعه إفريقيا العالمية، اصداره15،ص20) إذ كان معظم العرب الوافدين في هذه المرحلة ممن قل حظهم المعرفي بالدين وأصوله.المرحلة الثانية:مرحله العنصر الوطني من النوبة المستعربين الذين اهتدوا إلى الإسلام (فضل الله احمد عبد الله، دولة سنار ودورها في تشكيل الثقافة السودانية،مجلة أفكار جديدة، عدد ابريل 2004.ص135-136).وهذه المرحلة هي مرحله أساسيه من مراحل نشر الثقافة الاسلاميه، ويدل على هذا أن عدد كبير من العلماء فى هذه المرحله ترجع اصولهم إلى هذا العنصر.
• تسمى النوبيبن بالاسماء العربيه مع احتفاظهم بالقاب نوبيه ، وهذه الظاهره لم تظهر فى العصور الحديثه بل ترجع الى العصور القديمه ، حيث تتحدث المصادر عن أن حاكم إقليم الجبل النوبي اسمه قمر الدولة كشى، وعن بعض علماء المسلمين من النوبة، مثل: يزيد بن أبي حبيب، وذو النون المصري النوبي الأصل، وتحي النوبية الزاهدة، وغيرهم ممن تسموا بالأسماء العربية بدلاً من اتخاذهم الأسماء النوبية.كما عثر في منطقة مينارتي ـ شمال دنقلة ـ على كتابات عربية على شواهد بعض القبور تحمل أسماء عربية في القرنين الثاني والثالث الهجريين، وفي منطقة كلابشة ترجع إلى سنة 317هـ/ 927م.
ثالثا:مذهب التحديد و التكامل:
وهو المذهب الذى يؤكد علاقه الانتماء النوبيه بدون الغاء علاقات الانتماء الاخرى للشخصيه السودانيه، وهو يستند الى فكره مضمونها- على المستوى الاجتماعى- أن ارتقاء اى مجتمع إلى طور تكوين اجتماعي أعلى لا يترتب عليه إلغاء طور التكوين الاجتماعي السابق عليه بل تحديده كما يحد الجزء فيكمله و يغنيه(هذه الاطوار هى الاسرى،العشائرى، القبلى، الشعوبى، القومى(الامه)...) . كما ان مضمونها -على المستوى الفردى - أن العلاقة بين علاقات الانتماء المتعددة للشخصيه السودانيه هي علاقة تكامل، وبالتالي فان تقرير علاقة الانتماء النوبيه لا يقتضى إلغاء علاقات الانتماء الأخرى .وقد قرر عددا من الباحثين هذه الفرضية التي يستند إليها هذا المذهب، يقول بروفسور احمد محمد حاكم ( أن الثقافة السودانية متجذره في الممالك السودانية القديمة لكنها أصبحت واضحة المعالم مع قدوم الأثر الإسلامي العربى)( هدى مبارك،الثقافه السودانيه ،ص52.).ويقول بروفسور أبو سليم (أن مكونات الشخصية السودانية نشأت قديما ولكنها تشكلت بصوره أساسيه في ظل المؤثرات العربية الاسلاميه) (هدى مبارك،المرجع السابق،ص53).
علاقه الانتماء النوبيه و علاقات انتماء الشخصية السودانية الاخرى:
وبناءا على هذا المذهب سنتناول العلاقه بين علاقه الانتماء النوبيه بغيرها من علاقات انتماء الشخصية السودانية الاخرى.
ا/ الاسلام:
فهناك الاسلام كعلاقه انتماء دينى حضارى للشخصبه السودانيه ككل والشخصيه النوبيه على وجه الخصوص، وقد كان اعتناق النوبيين للإسلام دون إكراه، ويدل على هذا اتفاقيه البقط وهى هدنة أمان وعدم اعتداء بين العرب والنوبة ،عقدها ملك النوبة فى تلك البلاد،مع عبد الله بن سعد بن ابى السرح، قائد الجيش المسلم الذي حاول غزو بلاد النوبة ولم ينجح عسكريا عام651م.وهو إقرار لتوازن القوى بينهم،ومعاهدة سياسية قبل بموجبها المسلمون أن يعيشوا ،إما مسافرين أو متاجرين،وقد استمر ذلك الوضع لما يقرب من 8 قرون(د. محمد سعيد القدال، الاسلام والسياسة فى السودان).
وقد اعترفت المعاهدة بسيادة الدولة النوبية،وسمحت بالانتقال والتجارة وتبادل المنافع بين بلاد النوبة والبلاد التي يحكمها المسلمون، كما لم تصادر حرية السكان المحليين فى تعلم معارف وثقافات جديدة،دينية أو لغوية أو حضارية،ولم تمنعهم من التزاوج مع الشعوب الوافدة-العربية أو غيرها-إذا رغبوا فى ذلك.كما لم تجبرهم على الأخذ بالثقافة الوافدة،ولم تمنعهم من نشر ثقافتهم ولغتهم المحلية وتعليمها للوافدين الجدد إذا رغبوا فى ذلك.وذلك يعنى كامل الحرية للسكان المحليين فى التبادل الثقافى والتجاري والمصاهرة ،وبهذا انفتح النوبيون بحرية على الثقافات والحضارات والشعوب الأخرى ،وحدث التمازج الثقافى والعرقي بينهم والعرب ،واعتنقوا للدين الاسلامي عن قناعة وبمحص إرادتهم، وقد حدث هذا التمازج والانصهار السلمي ببطء خلال 8 قرون.
كما نصت الاتفاقية بأن على النوبة تقديم عددا من الرقيق سنويا للحاكم المسلم فى مصر،و مثل هذا الشرط كان سائدا فى التعامل بين الدول فى تلك الأزمان ولم يبتدعه الاسلام،بل عمل على الحد منه وإنهائه،وقد استمرت الإمبراطوريات الأوروبية فى التعامل به حتى صارت تجارة الرقيق رائجة حتى أوقفت وحرمت هذه التجارة بقانون دولي فى وقت قريب (انظر المقارنة بين اتفاقيه البقط وقانون المناطق المقفولة،مكتبه نفيسة الحعلى).
كما أن الإسلام لم يلغى الوجود الحضاري الشعوبي النوبى السابق عليه، بل حدده كما يحد الكل الجزء (بالإلغاء لما يناقضه من معتقدات وعادات، والإبقاء على مالا يناقضه). فكان بمثابة إضافة أغنت تركيبه الداخلي، وأمدته بإمكانيات جديدة للتطور، وكان محصله هذا التحديد ما يسمى بالتدين الشعبى السودانى.
ب/العربية : العربية هى علاقة انتماء قومي إلى أمه، وهى ذات مضمون لساني حضاري لا عرقي (ليست العربية فيكم من أب وأم؛ إنما العربية اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربي)، وهي تعنى أن اللغة العربية هي اللغة المشتركة بين الجماعات القبلية والشعوبية السودانية بصرف النظر عن أصولها العرقية أو لهجاتها القبلية، يقول بروفسور محمد بشير عمر( أن اللغة العربية التي تمثل اللغة القومية وتتحدث اللغة العربية الغالبية العظمى من السكان في شمال البلاد هي أيضا لغة التخاطب في جنوبه حيث تطور نوع من اللهجة العربية المبسطة(عربي جوبا) كما أن البجه والفور وجبال النوبة كما زالوا يحتفظون ويتحدثون لغتهم الخاصة و أن الدين الاسلامى كان عاملا موحدا والذي لم يمنع رغم ذلك من وجود المسيحية والمعتقدات التي كان لها أن تترك بدورها اثر في الطقوس الاسلاميه) (محمد بشر عمر، التنوع والاقليميه والوحدة القومية ترجمه سلوى مكاوي المركز الطباعى بدون تاريخ ص 5 وما يليها). والحديث هنا عن ليس عن اللغه العربيه فى ذاتها بل كلغه مشتركه متمثله فى اللهجه السودانيه كنمط خاص لاستخدام ذات اللغه العربيه، ومصدر الخصوصيه انها محصله تفاعل اللغه العربيه مع اللهجات القبليه واللغات الشعوبيه السابقه على دخول العرب والاسلام السودان (ومنها اللغه النوبيه). (فاللغة العربية_في السودان_ دائنة للغة النوبية بنحو الثلاثين في المائة من معجمها )( د. عبد الهادي تميم ، اللغة العربية في المجتمع ،ص91) وفى هذه اللهجة تجد أن (أسماء عدد كبير من أسماء النشاطات الزراعية، وتربة النيل، وأدوات الحراثة، والزارعة، والرعي، والمنتجات، وأسماء الطيور، والمصطلحات المنزلية والعائلية، ... ذات جذور نوبية) (عبد الهادي تميم، المرجع السابق، ص 93) .
وبناء على ماسبق فانه لا توجد جماعات قبليه معينه تنفرد بتمثيل علاقات الانتماء العربية للشخصية السودانية،وان تفاوتت هذه الجماعات فى درجه تمثلها لعلاقه الانتماء العربيه يقول الشيخ على عبد الرحمن(...فالسودان يدخل كله في نطاق القومية العربية سواء في ذلك النوبة والبجه والفوز والعرب والحاميين والزنوج سواء في ذلك المسلمون والمسيحيون والوثنيون)(على عبد الرحمن، الديمقراطية والاشتراكية في السودان، المكتبة العصرية،بيروت،ص23).
ولا يمكن نفى ما سبق بالاحتجاج باللهجات المتبقية من الأطوار القبلية والشعوبية؛ لأن استعمال اللهجات ، أو حتى اللغات القديمة - لا يلغي الاشتراك في استعمال اللغة القومية في كل الأمم ،هنا نلاحظ الجدال حول اللغة النوبية هل هي لهجة أم لغة، والذي نراه أنها لغة شعوبية قديمة خاصه تتفرع إلى العديد من اللهجات القبلية ولكنها ليست لغة قوميه مشتركه.
ج/السودانية: أما فيما يتعلق بالسودانية كعلاقة انتماء وطني فهي علاقة إلى انتماء إلى وطن (إقليم أو ارض)، وهى لا تلغى علاقات الانتماء القبليه والشعوبيه(ومنها علاقه الانتماء النوبيه) بل تحدها كما يحد الكل الجزء فتكملها وتغنيها. مع ملاحظه ان ماسبق من حديث بتعلق بالقبائل النوبيه الموجوده فى السودان، لان هناك فبائل نوبيه موجوده بمصر تحدها علاقه الانتماء الوطنى المصرى ولكن لا تلغيها.
د/ الافريقيه: ان تقرير افريقيه الحضاره النوبيه والجماعات الشعوبيه النوبيه يجب ان يلازمه تقرير ان علاقة الانتماء الافريقيه هي علاقة انتماء جغرافي قاري، وليس لها مدلول حضاري أو اجتماعي ايجابى او سلبى، بمعنى ان افريقيا ليست وحده اجتماعيه حضاريه ، إذ أنها تضم العديد من الأمم والشعوب والقبائل التي لم يرقى ما هو مشترك بينها (تفاعل مجتمعاتها مع ذات الطبيعة الجغرافية) إلى أن تكون أمه واحده.. كما انها ليست علاقه انتماء عرقى اذ يوجد فى قاره افريقيا الحاميين (كسكان افريقيا جنوب خط الاستواء) والحاميين الساميين (كالسودانيين ككل والنوبيين على وجه الخصوص، والارتريين، والصوماليين ،والاثيوبيين...) والسامين (كالعرب شمال القاره) والاريين (كالاوربيين الذين استوطنوا فى جنوب افريقيا وغيرها...).
ه/الزنوجة : ان تقرير زنوجه اوحاميه الجماعات الشعوبيه النوبيه(شان غيرها من الجماعات السودانيه الاخرى) يجب ان يلازمه تقرير انها زنوجه اوحاميه مختلطه او نسبيه وليست زنوجه خالصه او مطلقه، فقد تعددت الاراء حول اصل النوبيين، احد هذه اراء يقول بان اصلهم زنجى-حامى، بينما هناك اراء اخرى تقول بان اصلهم غير زنجى- سامى (مصرى، اسيوى، شمال- افريقى...) ، والراى الذى نرجحه هو ان للنوبين اصول متعدده متفاعله بعضها زنجى (حامى) وبعضها غير زنجى (سامى) ، بالاضافه إلى تقرير أن الزنوجه هى استجابه فسيولوجيه لمعطيات مناخ المنطقه الاستوائيه ، تنتقل بالوراثه عبر حقب زمنيه طويله ، وليس لها دلاله حضاريه أو اجتماعيه سلبيه (كما يدعى انصار مذاهب التمييز العنصرى) او ايجابيه(كما يدعى انصار مذهب الزنوجه كرد فعل على مذاهب التمييز العنصرى)، فهى لا تشكل وحده اجتماعيه حضاريه، اى ان الزنوج ليسوا أمة واحدة بل يتوزعون على أمم وشعوب وقبائل عدة في جميع أنحاء العالم. فضلا عن ان لفظ حاميين مصدره تقسيم علماء الأجناس البشر إلى ثلاثة أقسام بين ساميين وحاميين وآريين؛ ولكن هذا التقسيم هو تقسيم لغوي وليس تقسيماً عرقياً فقط، فقد ثبت ان هناك الكثير من الجماعات القبليه والشعوبيه والقوميه التى تندرج تحت اطار احد فروع هذا التقسيم من ناحيه لغوبه بينما لاعلاقه عرقيه فضلا عن علاقه اجتماعيه او حضاريه بينها كانتماء الاكراد والسيخ فى الهند والايرانيين والالمان الى ذات الجنس الارى.