من المعروف والموثوق به تاريخياً أن النوبيين هم من بقايا الشعوب التي تألفت منها المملكة الأثيوبية القديمة ، ولا شك كذلك في أن النوبيين هم أصحاب تلك الحضارات والممالك التي قامت في السودان وصانعو مجدها ، وحاملو لغتها ومخلفو هذا الإرث العظيم. وكثيرة هي الآثار والمخلفات التي تدل على أصالتهم وقدمهم في تلك المنطقة.
إلا انه ولما كانت التحركات السكانية مستمرة بلا انقطاع خلال التاريخ القديم والحديث فان عناصراً سكانية جديدة وفدت على هذه المنطقة (منطقة النوبيين) واندمجت فيها وتداخلت مع المجموعات النوبية التي سكنت المنطقة مما ترك اثره في الخصائص العامة للسكان النوبيين وبالتالي تكون الشكل العام للبنية السكانية العامة للنوبيين بسماتهم وصفاتهم المميزة التي نراها عليهم الآن.
وقد أثار الباحثون والكتاب المعاصرون جدلاً واسعاً في محاولاتهم تحديد أصل النوبيين القديم وذهبوا في ذلك مذاهب كثيرة مما ابرز نظريات متعددة خلال تناولهم للأصول السكانية لأصحاب الحضارات النوبية.
فألحقهم بعضهم بالجنس المصري القديم (المصريون القدماء) يقول محمد عبد الغني: (والشعب النوبي القديم من نفس السلالة التي ينتمي إليها المصريون القدماء … إذاً فالنوبيون بقية من العنصر الحامي)(1)
(ولقد ذهب البعض إلى أن المصريين جالية نوبية نزحت من الجنوب إلى الشمال. ويذهب فريق آخر إلى القول إن النوبيين أصلهم مصريون نزحوا من مصر إلى الجنوب ولعل وجود الآثار المصرية والآلهة والأهرامات معالم يستدلون بها على ذلك(1)
ويعتقد أصحاب الرأي القائل بوحدة الجنس المصري والنوبي أن (كوش) الذي ورد اسمه في التوراة والنجيل هو (جد النوبيين) واخو مصرايم (جد المصريين) وكلاهما من حام بن نوح.
ومما يقوي عندي هذا الاعتقاد أن: (كوش بن حام كان له ولداً اسمه نوبة وهو والد امم النوبة)(2)
واعتماداً على هذا الاعتقاد نرى أن الشعب النوبي هنا من العنصر الحامي الذي يندرج تحت السلالة القوقازية.
وهنالك زعم آخر في تحديد الأصل النوبي وهو الرأي القائل: بأن النوبيين هاجروا إلى مساكنهم من جبال كردفان ويستدلون على ذلك بالتقاء اللغة النوبية ببعض لغات جبال النوبة وغيرها في بعض أشكالها ومفرداتها. إلا انه لم يقم حتى الآن دليل لغوي علمي يثبت دعوى التشابه والاتصال بين لغة النوبيين وتلك اللغات.(3)
ويرد بعض الباحثين أصل النوبيين إلى شمال أفريقيا (ليبيون) انحدروا من الشمال عن طريق الصحراء الكبرى إلى وادي النيل.
ويعتقد بعضهم إلى أنهم ينتمون إلى العنصر الزنجي واستدلوا على ذلك من رسم أشكال الناس من حيث التقاطيع الزنجية الواضحة لأشكال السودانيين على جدران المعابد النوبية وفي تماثيل الملوك السودانيين.
وهنالك قول آخر بان النوبيين نزحوا إلى وادي النيل من المغرب.
وهكذا اختلف العلماء والمؤرخون في تحديد أصل النوبيين وكثرت أقوالهم في ذلك وحاولوا قدر جهدهم أن يحددوا أصل النوبيين. يقول الأستاذ حسن الشيخ قريب الله (إن المهم عند هؤلاء المؤرخين وأمثالهم أن يثبتوا النزوح وعدم أصالة النوبة بأرضهم … ليتفرغوا للبحث عن الأماكن التي نزحوا منها… علماً بأننا لو تأسينا بأمثال هؤلاء في مثل هذا المنحني غير العلمي لتساءلنا عن الموطن الأصلي الذي كان يسكنه أولئك النوبة قبل أن يستقروا بليبيا أو المغرب أو جبال كردفان … وبما أن تساؤلاً كهذا يؤدي إلى التسلسل والتسلسل باطل علمياً فان ما ينبني على الباطل من افتراضات ساذجة يعتبر باطلاً).(1)
ومهما يكن من أمر فان الحديث عن وحدة الجنس والنقاء البشري من الأمور التي يصعب الحزم في أمرها.
والمعروف عن النوبيين في المنطقة الواقعة بين أسوان جنوباً والدبة في شمال السودان قدماء قدم الإقليم وان بلادهم تعرضت منذ فجر التاريخ لسلسلة من الغزوات أتاحت لهم فرص الاتصال بالعالم الخارجي والاختلاط بغيرهم من الشعوب تولد عنه عنصر جديد يختلف عن العناصر القديمة التي سكنت وادي النيل قبل آلاف السنين فصار من الصعب معها تحديد أصلهم وإلحاقهم بجنس معين.